“بن شيخ بين المطرقة والسندان… وزروقي في عين الإعصار! هل النقد موضوعي أم تصفية حسابات؟”

 

 كرة القدم في الجزائر… أكثر من مجرد لعبة

في الجزائر، كرة القدم ليست هواية تُمارس للتسلية فقط، وليست حدثًا عابرًا يُشاهد على التلفاز ثم يُطوى. كرة القدم في الجزائر هي مزاج يومي، انتماء وطني، ورابط اجتماعي يتجاوز السياسة والفكر والاقتصاد. إنها الملاذ الذي يهرب إليه الشعب حين يضيق صدره، والنافذة التي تطل منها الأحلام الجماعية. لذلك، فإن أي نقاش يتعلق بالمنتخب الوطني يتحول تلقائيًا إلى معركة رأي عام تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي.

والحقيقة أن الجدل الأخير الذي اندلع بين محلل قناة الهداف “بن شيخ” ولاعب المنتخب الوطني “رامز زروقي”، بعد مباراة الجزائر ضد مصر، لم يكن مجرد رأي تقني أو تحليل فني، بل تحوّل إلى زلزال إعلامي هزّ الوسط الكروي، وأصبح حديث المقاهي والملاعب والمجموعات الفيسبوكية.

أصبح الحديث اليوم يدور حول سؤال واحد يطرح نفسه بقوة:
هل بن شيخ محق فعلاً في انتقاداته؟ أم أن القضية أكبر من كرة قدم ودخلت في منطقة النوايا والمصالح؟

هذا المقال سيغوص في كل التفاصيل، يعيد تركيب المشهد، يحلل العقلية، ويكشف الجوانب المخفية… ليفتح أبواب النقاش على مصراعيه.

---

من هو بن شيخ؟ وكيف أصبح “صوتًا لا يرحم”؟

محلل قناة الهداف بن شيخ ليس شخصية عابرة، وليس مجرد خطاب انفعالي جديد على الساحة الإعلامية. الرجل له تاريخ طويل في كرة القدم الجزائرية، ولديه جمهور كبير يعتبره “اللسان الذي لا يجامل”، بينما يراه آخرون “صاحب آراء حادة تتحول أحيانًا إلى مبالغة”.

ما يميّز بن شيخ عن باقي المحللين:

1. صراحته المفرطة
   لا يختار الكلمات، لا يخفّف العبارة، ولا يترقب ردة فعل الجمهور. يقول كل شيء بـ”لهجة صدامية”.

2. خطه النقدي الثابت
   بن شيخ يعارض “ثقافة التطبيل” التي يعتقد أنها تسيطر على الوسط الرياضي.

3. قوة حضوره الإعلامي
   طريقة كلامه، نبرة صوته، تعبيراته، كلها تجعله مادة جذابة للمشاهدين.

4. مواقفه المثيرة للجدل
   كل ظهور له يخلق نقاشات عميقة تصل أحيانًا حد الصراع بين الجماهير.

ولكن… هذه المميزات تتحول عند البعض إلى عيوب:

• “يكثر من الانتقاد السلبي”

• “لا يبني نقده على التحليل بل على الانفعال”

• “يتدخل في نوايا اللاعبين وحياتهم”

• “يستهدف أسماء معينة بشكل دائم”

وهنا بالضبط يظهر اسم رامز زروقي على رأس القائمة.

---

لماذا يتحامل بن شيخ على زروقي؟ أم أن الصورة مختلفة؟

منذ سنوات، وبالتحديد منذ حمل زروقي قميص المنتخب الجزائري لأول مرة، بدأ بن شيخ يتحفظ على أدائه. لكن هذا التحفظ تحوّل إلى نقد، ثم إلى غضب، ثم إلى شيء أقرب للكراهية الظاهرة في العلن.

الجملة الأشهر لبن شيخ:
“تقول خزانة تجري!” ⚡️
هذه العبارة وحدها أصبحت “ميم” يتداوله الجزائريون على نطاق واسع.

لكن هل الموقف شخصي؟ أم فني؟ أم شيء آخر؟

أولاً: الحجة الفنية

يرى بن شيخ أن:

• زروقي لاعب ذو إمكانيات متواضعة

• لا يناسب طريقة لعب المنتخب

• ضعف بدنيًا مقارنة بالوسطاء الآخرين

• يُبطئ الهجمة

• لا يعطي حلولًا هجومية

• يفقد الكرات بسهولة

وعليه، فإن مكانه — حسب رأي بن شيخ — غير مستحق.

ثانيًا: الحجة العاطفية (حسب رأي الجمهور)

فئة من الجمهور ترى أن نقد بن شيخ تجاوز الحدود التقنية إلى:

• تحامل شخصي

• عدم تقبل وجود زروقي في المنتخب

• تكرار نفس الانتقادات بغض النظر عن أداء اللاعب

ثالثًا: الحجة الخفية… “نظرية المصالح”

هنا تدخل الجماهير بمواقف أكثر جرأة:

• البعض يعتقد أن بن شيخ يريد ترويج لاعبين آخرين.

• البعض يعتقد أنه ضد “نوعية اللاعبين المحترفين” الذين نشأوا خارج الجزائر.

• البعض يرى أن الأمر مرتبط بـ“علاقات كواليسية” داخل الكرة الجزائرية.

هذه النظرية، رغم أنها غير مؤكدة، إلا أنها منتشرة بشدة بين الجماهير، خصوصًا بعد كل خرجة نارية لبن شيخ ضد زروقي.

---

مباراة الجزائر ضد مصر… نقطة الانفجار

مباراة الجزائر ضد مصر أعادت النقاش إلى الصفر.
زروقي قدّم مباراة عادية… لا ممتازة ولا كارثية، لكنه ارتكب بعض الهفوات.

لكن ما أثار الجدل ليس الأداء، بل ردة فعل بن شيخ.

ظهر الرجل بعد المباراة في حالة احتقان شديد، ووجّه أقسى نقد لزروقي منذ أشهر، حتى أنه بدا وكأنه لم يعد يتحمل رؤيته في الملعب. قال كلامًا حمل نبرة “قرف” أكثر مما حمل نبرة “تحليل”.

الجمهور انقسم:

فئة تقول: بن شيخ على حق

• زروقي لم يعد يقدم أي شيء مهم

• المنتخب يحتاج وسطًا قويًا قادرًا على افتكاك الكرة

• يجب أن تكون هناك جرأة في الإشارة للضعف

فئة تقول: بن شيخ يُبالغ بطريقة مستفزة

• الانتقاد مبالغ فيه

• لهجة حادة إلى حد “الإهانة”

• يتحامل على لاعب “هادئ ومحترم”

• لا يقدم بديلًا أفضل

• يميل لإشعال النار لا لإصلاح الوضع

وهكذا تحوّل النقاش إلى معركة مفتوحة بين طرفين… كل منهما مقتنع بأنه يمتلك الحقيقة.

---

زروقي نفسه… اللاعب الهادئ وسط عاصفة لا تهدأ

رامز زروقي ليس لاعبًا يحب الظهور الإعلامي، ولا يتحدث كثيرًا. شخصيته هادئة، هادئة لدرجة أن خصومه يعتبرون هذا الهدوء “برودًا”.
لكن رغم الهدوء، فإنه لاعب محبوب داخل غرفة الملابس.

ما الذي يجعله محبوبًا؟

• يحترم الجميع

• لا يدخل في المشاكل

• يعطي كل ما لديه في التدريب

• يلعب بتواضع

• يملك ذكاء تكتيكيًا

• ينسجم مع تعليمات المدرب

لكن… هل هذا يكفي لتقديم الإضافة داخل الملعب؟
هنا تبدأ مشكلة زروقي.

الجمهور يريد:

• وسطًا قويًا

• استرجاع كرات

• ضغطًا عاليًا

• تمريرات عمودية

• حلول هجومية

وهذه ليست نقاط قوة اللاعب.

---

المنتخب الوطني… مرآة تعكس أوجاعنا قبل أفراحنا

لا يمكن فهم الجدل بين بن شيخ وزروقي بدون فهم حساسية المنتخب بالنسبة للجزائريين.

المنتخب هو:

• مصدر فرح

• رمز سيادي

• تعويض نفسي

• فخر جماعي

• مساحة نقاش مفتوحة

والشارع الجزائري اليوم في أزمة ثقة مع المنتخب بعد سنوات من التعثر:

• الإقصاء من كأس العالم

• الفشل في الكان

• نتائج غير مستقرة

لذلك أصبح الجمهور يعتمد أكثر على رأي المحللين، وخاصة الأصوات الصدامية مثل بن شيخ.

وهكذا يصبح انتقاد لاعب واحد “شرارة” تشعل نارًا كبيرة.

---

هل تجاوز بن شيخ الخط الأحمر؟

هذا السؤال مطروح بقوة.
ولكن الإجابات متناقضة.

رأي من يقول نعم:

• النقد يجب أن يكون مهنيًا لا ساخرًا

• لا يجوز وصف لاعب بـ"خزانة"

• يجب احترام لاعبي المنتخب مهما كان مستواهم

• التحامل يؤدي لإسقاط المعنويات

• يؤثر على وحدة الفريق

• يخلق شرخًا بين اللاعبين والجمهور

رأي من يقول لا:

• بن شيخ لم يفعل إلا قول الحقيقة

• بعض اللاعبين فعلاً دون مستوى المنتخب

• الصراحة أفضل من المجاملة

• يجب الضغط على اللاعبين لإصلاح الأخطاء

• المنتخب ليس ملكًا لأحد بل للشعب

---

هل هي قضية لاعب… أم قضية “هوية كرة القدم الجزائرية”؟

الحقيقة أن الجدل أكبر من:

• بن شيخ

• زروقي

• مباراة

• خطأ

• أداء

القضية اليوم هي:

أي نوع من اللاعبين نريد في المنتخب؟
هل نريد لاعبين محترفين في أوروبا؟
أم لاعبين محليين؟
هل نريد لاعبين مهاريين؟
أم لاعبين أقوياء بدنيًا؟
هل نريد النقد البنّاء؟
أم الصراحة القاسية؟
هل نقبل الاختلاف؟
أم نرفض كل من لا يتفق معنا؟

هذه الأسئلة تُظهر أن الأزمة ليست أزمة لاعب فقط… بل أزمة فلسفة كروية في الجزائر.

---

مواقع التواصل… ساحة حرب لا تهدأ

فيسبوك، تيك توك، تويتر… كلها اشتعلت:

• منشورات ساخرة

• صور معدّلة لبن شيخ

• تحليلات جماهيرية

• فيديوهات تهاجم زروقي

• أخرى تدافع عنه

• صفحات رياضية تستغل الحدث لرفع التفاعل

• قنوات يوتيوب تحقق آلاف المشاهدات بفضل هذا الجدل

أصبحت القضية “مادة رائجة” (Trend)، وكل طرف يستخدم كلمات قوية مثل:

• “تحامل”

• “كره”

• “استهداف”

• “حرب”

• “مصالح”

• “لوبي”

• “تهديم”

• “مؤامرة”

وهذه اللغة تزيد النار اشتعالاً.

---

من المستفيد من هذا الصراع؟

1. القنوات الرياضية
   المشاهدات ترتفع بشكل كبير.

2. الصفحات الفيسبوكية
   التفاعل يصبح مضاعفًا.

3. القنوات اليوتيوبية
   عنوان جذاب = آلاف المشاهدات.

4. المدرب الوطني
   يحصل على “ضغط إضافي” يساعده في اتخاذ قرارات جريئة.

5. لاعبون آخرون
   يجدون فرصًا أكبر لافتكاك مكان زروقي.

6. الجمهور نفسه
   يجد موضوعًا يتحدث فيه أيامًا طويلة.

---

هل زروقي مظلوم؟ أم ضعيف المستوى؟

بعد تحليل شامل، يمكن تلخيص الموقف:

• زروقي لاعب محترم

• يقدم ما يستطيع

• لديه ميزات محدودة

• ليس لاعبًا كارثيًا

• لكنه ليس “رقم 1” في الوسط

• مكانه مقبول… وليس مضمونًا

• يحتاج منافسة قوية

• يجب تقييمه بموضوعية… ليس بالتحامل

أما القول إنه “الأسوأ في المنتخب” فغير صحيح.
والقول إنه “الأفضل” أيضًا غير دقيق.

الحقيقة في الوسط.

---

 بين بن شيخ وزروقي… الحقيقة ضائعة في صخب الأصوات

القضية اليوم ليست حقيقة ثابتة، بل هي روايات متعددة.
كل واحد يراها من زاويته الخاصة.

• بن شيخ يرى زروقي لاعبًا لا يحمل الإضافة.

• زروقي يرى نفسه يقدم كل ما لديه.

• الجمهور يرى المشهد منقسمًا بين مشاعر ووطنية ومصالح وتحليل.

• المنتخب هو المسرح الذي تظهر عليه كل هذه الصراعات.

وفي النهاية…

كرة القدم في الجزائر ليست مجرد رياضة، بل مرآة تعكس ما نحب وما نكره… كيف نفكر وكيف نختلف… وكيف نغضب وكيف نتعلق بمنتخبنا حتى آخر نفس.

بن شيخ سيبقى بن شيخ…
وزروقي سيبقى لاعبًا محترمًا…
والجمهور سيبقى صوتًا لا يُقهر.

أما الحقيقة؟
فقد تبقى دائماً بين المطرقة والسندان.