في لحظة لم يتوقّعها أحد، وفي تصريح أعاد إشعال النقاش بين الجماهير المغاربية، خرج النجم الجزائري إسماعيل بن ناصر ليطلق واحدة من أقوى الرسائل الإنسانية في عالم كرة القدم… رسالة تقف عند خطّ النار بين العاطفة والانتماء، بين الحقيقة والجدل، بين الكرة التي توحّد والواقع الذي يفرّق.
لم يكن تصريحًا عابرًا. لم يكن جملة عاطفية قالها لاعب في لحظة مزاجية.
كان حدثًا إعلاميًا… “قنبلة مدوية” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فالمتتبع لمسيرة بن ناصر يعرف جيدًا أن هذا اللاعب لا يتحدث كثيرًا، ولا يطلق كلمات مجانية. كل كلمة محسوبة، كل جملة تخرج منه تحمل خلفها شحنة صادقة، وهالة من الاحترام، وتاريخًا طويلًا من العلاقات الهادئة بين الشعبين الشقيقين.
الجملة التي قلبت الطاولة: المغرب بلدي… والجزائر روحي
قالها بن ناصر بصراحة مدهشة:
“إن لم تفز الجزائر بكأس أمم إفريقيا… فأتمنى أن تفوز بها المغرب، لأنها بلدي وأنا وُلدت في مدينة تازة، والجميع يعلم قيمة المغرب عندي.”
هذه العبارة لم تكن مجرد رأي، بل كانت بوابة لعاصفة. فجأة، انفجرت النقاشات على مواقع التواصل:
– هل فعلاً بن ناصر مغربي المولد؟
– هل يُعتبر هذا التصريح انتماء مزدوج أم مجرد حبّ طبيعي؟
– وهل تقبل الجماهير هذا النوع من الحميمية بين لاعب ونادٍ أو بلد ليس منتخب بلاده الأصلي؟
وبين كل هذه الأسئلة، بقي بن ناصر ثابتًا… بابتسامة هادئة ورسالة واضحة:
الرياضةُ محبة… وليست حربًا.
البداية من تازة: تفاصيل لم تُروَ من قبل
تازة… المدينة الهادئة الواقعة بين الشرق والغرب، بين الجبل والوادي، بين البساطة والأصالة.
مدينة لها روح، ولها رائحة لا تُنسى.
ومن قلب تلك المدينة بدأت قصة الطفل إسماعيل، قبل أن تتخذ عائلته قرار الرحيل إلى فرنسا.
ورغم أن اللاعب يحمل اليوم قميص الجزائر بكل فخر، إلا أن ذكريات طفولته الأولى ما زالت معلّقة في شوارع تازة، في لهجتها، في ناسها، في دفء منازلها القديمة، في المعاني التي تبقى محفورة في قلب أي إنسان مهما ابتعد.
هذه التفاصيل الإنسانية لا يعرفها الكثيرون، لكنها تفسّر لماذا حمل بن ناصر هذا الكمّ من العاطفة حين سُئل عن المغرب.
**“هل يحبّني الجمهور المغربي؟”
سؤال إنساني… يختصر كل شيء**
من بين كل ما قاله، كانت هذه الجملة الأكثر تأثيرًا:
“لا أعرف هل الجمهور المغربي يحبّني أم لا.”
هنا توقف الزمن.
هنا ظهرت هشاشة الإنسان خلف صلابة اللاعب.
هنا رأينا بن ناصر الذي لا يظهر أمام الكاميرات… الإنسان الذي يخاف، الذي يتساءل، الذي يحمل ذكريات، والذي يحتاج إلى محبة الآخرين.
إنه ليس لاعبًا يتحدث من برجٍ عالٍ… بل إنسان يبحث عن دفء الانتماء.
وهذا السؤال لوحده كان كافيًا ليجعلنا نفهم عمق العلاقة التي يحملها في قلبه تجاه المغرب.
إنه يشعر أنه قريب منهم… لدرجة أنه يريد أن يعرف:
هل يشعرون هم أيضًا بالقرب منه؟
**بماذا ردّ الجمهور المغربي؟
موجة حبّ لم يتوقعها أحد**
بمجرد انتشار التصريح، انفجرت تعليقات المغاربة في كل مكان:
– “بن ناصر ولد بلادنا.”
– “نحترمك حتى لو لعبت للجزائر.”
– “المغرب والجزائر خوت.”
والأجمل من ذلك أن آلاف المغاربة نشروا صوره بقميص الجزائر وأرسلوا له رسائل دعم ومحبة.
هذه الردود كانت كفيلة ببناء جسر جديد فوق كل الخلافات والتوترات السياسية التي صنعها الآخرون.
لقد أثبت الجمهور أن الإنسان أهمّ من السياسة، والكرة أقوى من الحدود.
**الجزائر أيضًا ردّت:
انتماؤك هنا… وحبّك هناك لا يغيّر شيئًا**
الجماهير الجزائرية — المعروفة بشغفها اللامحدود — لم تغضب، بل عبّرت عن احترامها الكامل للمشاعر الإنسانية للاعب.
تعليقات الجزائريين جاءت واضحة:
– “تبقى جزائري حتى نهارك الأخير.”
– “نفتخر بأصلك أينما كان.”
– “المغرب دار خاوتنا، واحنا فرحانين يكون عندنا لاعب يحب الخير للجميع.”
هذا التفاعل الجزائري أعطى للتصريح بعدًا أعمق…
لقد تحول من مجرد جملة إلى وحدة شعوب.
بن ناصر… اللاعب الذي يفهم قيمة العلاقات قبل قيمة الألقاب
في عالم أصبح فيه اللاعبون يبحثون عن العقود، عن المال، عن الأندية الكبرى، يخرج لاعب مثل إسماعيل ليذكّر الجميع أن هناك شيئًا أهم من كل هذا:
الإنسانية.
الأصل.
الذكريات.
حين تتغلغل هذه الأشياء في قلب لاعب كرة، فلا تتعجب أن يقول:
“المغرب بلدي… والجزائر روحي.”
لأن الإنسان يستطيع أن يحب مكانين، أن ينتمي لعالميْن، أن يحمل قلبين في صدر واحد.
فالمشاعر لا تُقاس بجواز السفر.
**ما وراء التصريح:
هل كان خطوة سياسية أم صرخة إنسانية؟**
هناك من حاول تفسير كلامه بشكل سلبي، لكن الحقيقة أبسط بكثير.
بن ناصر ليس سياسيًا.
وليس رجل دبلوماسية.
هو لاعب يعرف وزن كلماته، لكنه لم يقصد سوى محبة بسيطة وصادقة خرجت في لحظة دفء.
إنها ليست رسالة سياسية… بل رسالة إنسانية.
رسالة تقول:
“كفاية عداء… كفاية توتر… كفاية تقسيم.”
كرة القدم أكبر من السياسة، وأجمل من الخلافات.
**هل لاعبو المنتخب الجزائري سيغضبون؟
الجواب الصادم: بالعكس!**
المنتخب الجزائري مليء باللاعبين الذين تربطهم علاقات قوية مع لاعبي المغرب وتونس ومصر وكل أبناء المنطقة.
من يصدق أن معظمهم يتحدثون معًا يوميًا عبر السوشيال ميديا؟
من يصدق أن الكثير منهم أصدقاء يلتقون في باريس، لندن، ميلانو، مدريد…؟
إذن… ما قاله بن ناصر لا يسيء لمنتخب بلاده، ولا ينتقص من وطنيته.
بل بالعكس، يعكس صورة جميلة عن اللاعب الجزائري:
منفتح، محترم، واعٍ، ويملك قلبًا كبيرًا.
قيمة المغرب في حياته… وقيمة الجزائر في قلبه
بن ناصر لم يقل يومًا أنه لا ينتمي للجزائر.
ولم يشك في وطنيته، ولم يغيّر ولاءه.
هو فقط عبّر عن حبّين:
– حبّ للجزائر: بلد الدم، الأهل، الجذور.
– حبّ للمغرب: بلد الذكريات الأولى، الروائح الأولى، اللحظات الأولى.
كل شخص في هذا العالم لديه مكانان يشعر تجاههما بمشاعر خاصة:
مكان يُولد فيه… ومكان يتربى فيه.
مكان يعيش فيه… ومكان لا يغادر قلبه.
وإذا كان الطفل إسماعيل قد عاش بداياته في تازة، فمن الطبيعي أن تبقى تلك المدينة حاضرة في قلبه حتى اليوم.
لماذا أثار التصريح كل هذا الجدل؟
لأن إسماعيل بن ناصر ليس لاعبًا عاديًا.
هو نجم عالمي، موهوب، محبوب في الجزائر وخارجها.
لكلماته وزن، لصوته صدى، لتصريحه تأثير.
وحين يتحدث لاعب مثله عن “المغرب بلدي”… فإن الجملة تتحول من مجرد اعتراف إلى حدث إعلامي.
ولأن العلاقة بين الجماهير المغاربية مليئة بالشغف والحساسية، فقد كان من الطبيعي أن يشتعل النقاش.
الكرة… الجسر الذي قد يعيد ما أفسدته السياسة
ربما لا يُدرك إسماعيل ذلك، ولكن كلماته فعلت ما عجزت عنه الاجتماعات والمؤتمرات.
لقد أعادت — ولو ليوم واحد — الروح الجميلة بين الجزائريين والمغاربة.
أعادت الضحكة المشتركة.
أعادت الإحساس بأننا قريبون من بعض أكثر مما نتصور.
كم نحتاج لهذه اللحظات؟
كم نحتاج لكلمات صادقة مثل التي قالها هذا النجم؟
نحو كأس أمم إفريقيا… هل يتحقق حلمه؟
قال إسماعيل إنه يتمنى فوز الجزائر أولًا، ثم المغرب إن لم يتحقق حلم الجزائر.
فهل سيحمل أحد المنتخبين إنجازًا يخلّد هذه اللحظة؟
هل سيقف الجمهور المغربي يومًا ويردد اسمه؟
هل سيقف الجمهور الجزائري ويصفّق لمحبّته تجاه بلد ذكرياته؟
كل شيء ممكن في كرة القدم…
بل في كرة القدم لا شيء مستحيل.
**في النهاية… ماذا قال إسماعيل؟
قال الحقيقة.**
قال الحب.
قال الصدق.
قال ما لم يجرؤ كثيرون على قوله.
لقد علّمنا إسماعيل درسًا بسيطًا:
يمكنك أن تحب بلدًا دون أن تخون بلدك.
يمكنك أن تحترم شعبًا دون أن تنقص من قيمة شعبك.
يمكنك أن تمتلك قلبًا كبيرًا… وقلبًا أكبر.
وأهم من كل ذلك:
يمكنك أن تكون إنسانًا قبل أن تكون لاعبًا.
